أعلنت “فيغمنت”، إحدى أكبر مزوّدي خدمات الستاكينغ (Staking) أو التجميد المؤسسي في العالم، عن توسّعها في الشرق الأوسط عبر شراكات استراتيجية، في خطوة تهدف إلى تعزيز حضور حلول الستاكينغ المؤسسية في المنطقة.
ويُعد “الستاكينغ” عملية إيداع الأصول الرقمية للمشاركة في تأمين شبكة البلوكتشين والتحقق من المعاملات، مقابل الحصول على مكافآت من الشبكة نفسها.
وفي مقابلة حصرية مع “أنلوك بلوكتشين”، تحدّث كريستوف ريشتر، رئيس تطوير الأعمال في فيغمنت لمنطقة الشرق الأوسط، عن سبب اختيار الإمارات كنقطة انطلاق، ودور التمويل الإسلامي في مستقبل الستاكينغ، وما يعنيه ذلك للمصارف، مكاتب العائلات، وصناديق الثروة السيادية.
لماذا الإمارات الآن؟
وفي هذا الصدد، قال “ريشتر”: “الإمارات تمتلك واحدًا من أكثر الأطر التنظيمية للأصول الرقمية تطورًا في العالم، مع كيانات مثل ADGM وVARA وDIFC التي تمثل نقاط ارتكاز رئيسية”. وأضاف: “أبوظبي اليوم تُطلق على نفسها لقب عاصمة رأس المال، والأرقام تدعم هذا، حيث نمت الأصول تحت الإدارة في سوق أبوظبي العالمي بأكثر من 200% خلال عام 2024 وحده”.
وأشار “ريشتر” إلى أن وجود شركات عالمية مثل “بينانس” و”أو كيه إكس” و”ديربيت”، التي حصلت على تراخيص VARA في دبي، عزّز الزخم نحو بناء سوق مؤسسي قوي. وأوضح: “هناك وعي بالأصول الرقمية يمتد من الحكومة إلى المستثمرين الأفراد، وهذه بيئة نادرة تستحق أن نكون جزءًا منها”.
توضيح الستاكينغ للمؤسسات
تضع “فيغمنت” التثقيف المؤسسي في صميم مهمتها. ويقول ريشتر بحزم: “كثير من اللاعبين في السوق أطلقوا مصطلح الستاكينغ على منتجات هي في الواقع قروض — وهذا خطأ”. وأوضح: “الستاكينغ ليس إقراضًا، وليس فائدة. إنه عملية تحقق من صحة المعاملات على البلوكتشين قائم على إثبات الحصة (Proof of Stake). المستثمرون يودِعون أصولهم للمساهمة في تأمين الشبكة، ويحصلون في المقابل على مكافأة مقابل عمل تم إنجازه”.
هذا التوضيح أساسي لفهم المؤسسات، لأنه يضع الستاكينغ في إطار بنية تحتية، وليس منتجًا ماليًا عالي المخاطر.
التمويل الإسلامي: توافق طبيعي… ولكن بحاجة لاعتماد رسمي
سألنا ريشتر عن العلاقة بين الستاكينغ والتمويل الإسلامي وهل يمكن أن يصبح الستاكينغ منتجًا متوافقًا مع الشريعة؟ أجاب: “المبادئ الأساسية تتوافق مع التمويل الإسلامي، لكن لكي يُصنف كمنتج متوافق مع الشريعة، يحتاج إلى اعتماد من هيئة شرعية — وهذه الخطوة لم تحدث بعد.”
وأشار ريشتر إلى ثلاثة عناصر تجعل الستاكينغ قريبًا من مبادئ الشريعة:
• لا عائد ثابت: المكافآت تتغير مع أداء الشبكة.
• مكافأة على عمل منجز: المدفوعات ليست فوائد ربوية بل مكافآت للتحقق من المعاملات.
• نموذج مشاركة الأرباح: العملاء يحتفظون بالحضانة، وفيغمنت تأخذ فقط حصة من المكافآت.
لكنه أوضح أن فيغمنت لا تستهدف التمويل الإسلامي وحده: “نحن نبني حلول ستاكينغ تخدم الجميع — من مديري الأصول العالميين إلى مكاتب العائلات المحلية. لكن توافق المبادئ مع الشريعة يفتح الباب أمام شرائح أوسع من المستثمرين في المنطقة.”
التراخيص والتنظيم: نموذج “خدمة برمجيات”
من أكثر الأسئلة التي تواجهها فيغمنت في الإمارات: هل تحتاجون إلى ترخيص محلي؟ أوضح ريشتر: “نحن مزود برمجيات ولسنا كيانًا ماليًا منظمًا. نقدم البنية التحتية وتجربة الستاكينغ الكاملة، لكننا لا نحوز أموال العملاء. لذلك، لا نحتاج إلى ترخيص تقليدي — نحن نقدم الستاكينغ كخدمة”.
ويُعد هذا النهج غير الحاضن (non-custodial) للأصول عاملًا مريحًا للمؤسسات، ويُظهر التزامًا واضحًا بعقلية “الامتثال أولًا”، التي يقدّرها المستثمرون المؤسسيون.
من الإمارات إلى الأسواق الإقليمية
رغم أن الإمارات تُعد نقطة البداية، إلا أن فيغمنت تنظر إلى آفاق أوسع. وقال ريشتر: “الإمارات هي المنصة الطبيعية للأصول الرقمية اليوم. لكن السعودية قادمة، وقطر تتحرك. المنطقة على أعتاب نمو ضخم”.
ورغم أن السعودية لم تُصدر بعد تراخيص للعملات الرقمية، ومع الحذر القطري، يرى ريشتر أن الإمارات قادرة على وضع نموذج يُحتذى به في باقي الأسواق الإقليمية.
تركيا… مثال مختلف على دور الأصول الرقمية
لم يقتصر حديث ريشتر على الخليج. فقد أشار إلى تركيا كسوق مثير للاهتمام: “تركيا سوق مثير للغاية. تبني العملات الرقمية هناك ضخم، والتنظيم تطور بشكل ملحوظ في الأشهر الماضية.”
مع تراجع الليرة التركية بأكثر من 90% خلال عقد، أصبحت العملات الرقمية وسيلة لحماية المدخرات، كما في لبنان أو الأرجنتين.
ويضيف: “الحكومة التركية أبقت البنوك المحلية في قلب العملية، وهذا مختلف عن أسواق أخرى يسيطر فيها اللاعبون العالميون بالكامل.”
اللعب على المدى الطويل
أكّد ريشتر أن نجاح “فيغمنت” لا يقوم على “ضربة سريعة”، قائلًا: “الكثير من الأجانب يأتون إلى الإمارات بهدف الربح السريع. هذا ليس نهجنا. نحن هنا لنتعلم، نُعلّم، ونُكيف حلولنا لتناسب المنطقة”. واعتبر أن هذا النهج التعليمي يخدم جميع المستثمرين، من تقليديين وإسلاميين، مؤسسيين وأفراد.
الستاكينغ ومستقبل التمويل في المنطقة
فيغمنت تعمل في الستاكينغ منذ 2018، وتدعم أكثر من 40 شبكة بينها إيثيريوم وسولانا. توسّعها في الإمارات ليس مجرد دخول سوق جديد، بل هو محاولة لإعادة تعريف الستاكينغ كمنتج موثوق، مؤسسي، ومتوافق ثقافيًا في مركز مالي عالمي.
واختتم ريشتر حديثه مع أنلوك بلوكتشين قائلًا: “الستاكينغ مكافأة على عمل منجز، ليس فائدة، وليس إقراضًا. إنه يحقق توافق المصالح بين فيغمنت وعملائها. وفي الإمارات، أصبح لدينا الآن الشركاء والمنصة لجعل ذلك حقيقة.”